لم يمضِ العام منذ اطلاعي على فلسفة “التقويم” إلا وقد انتهيت من بناء “التقويم السامي” الذي أنوي نشره قريبا. كان كتاب “براءة النسيء” للكاتب “وسام الدين إسحاق” أكثر المصادر متعة وخاصة أنه ينتقل بك من مشكلته مع النسيء وقصة أبيه الباحث “نيازي عزالدين” في البحث عن الوثائق وتصويره لمصحف “عثمان”، إلى مأساة وضعه تحت مراقبة بعد اشتباه “الانتربول” الأمريكي في سرقته لمخطوطات المتحف التركي! إلى كفاحه في الرد والتبرير والتحليل للوصول إلى نتيجته بنشره تقويما عربيا في قصة طولها ثلاثين سنة فيها أُنس ونقد وحجج تحتاج التمحيص.

الكتاب رائع في فحواه، يتناول مشكلة السنة الهجرية بافتقارها “للتقويم” أو “للنسء” المتبع في جميع التقاويم القمرية والتي تكبس شهرا كل سنتين أو ثلاث سنوات تقريبا. يفتقر الكتاب الحواشي، مع بعض من الأخطاء الإملائية والنحوية بل حتى التشكيلية، والتي أرجو أن يعتني الكاتب بها حيث أني أتوقع نسخة منقحة أكثر، إذ قد تستمر في القراءة دون تمييز إن كان الحديث منسوبا للكاتب أو مستشهدا بباحث آخر لم يُبَروز بعلامة تنصيص أو حتى إزاحة أو استخدام نوع خط آخر. تركت في نسختي العديد من الملاحظات لعلي أستطيع تصويرها وإرسالها للكاتب. يحوي الكتاب وصلات إلكترونية لنسخ تقويمه “العربي” أو كما أسميه “التقويم الوسمي” من عام 500 وحتى 2100 ميلادية. وجدت بعض الأخطاء المطبعية في “التقويم الوسمي” وراسلت الكاتب عنها وسرعان ما أصلحها. وأشكر سرعة تواصله مع جمهوره المتزايد وبارك الله فيه.

الشهر “الحرام” في السنة التاسعة للهجرة في التقويم “السامي” وما يقابله في التقاويم الأخرى

ويستطرد الكاتب في تحليل المخطوطات وقد أخذ حيزه من الكتاب لاسيما أن لديه كتابا عن المخطوطات أو نشأة وتطور الخط العربي سَبقَ نشْرَ هذا الكتاب، بل تتميز قناته في يوتيوب بشروحات حول الخط العربي. ولا يبدو وجود طرف ثالث للتحقيق في نسخة المصحف العثماني والتي يَستدل بها على تشكيل آية “إنما النسيء زيادة في الكفر، يَضل به الذين كفروا.” مع تعدد قراءاتها، وما زلت مترقبا، لعل الباحثون يزدادون، وهو جزء من الكتاب لم أهتم به بل وتجاوزته كوني لست مختصا ولا مدركا وأخذتها دون إمعان. كما يحوي الكتاب تفصيلا في علم الفلك من المؤسف أني ضعيف فيه. أما تاريخيا، فادعاءه باستخدام رسول الله والخلفاء للنسء من أقوى حججه ودلائله، فضلا على توصيفه بأن العرب ينسؤون، أو أن أسماء الأشهر “موسمية” مع أدلة جيدة بشكل عام. كما يتطرق الباحث لتضعيف بعض الأحاديث التي عيّنت الأشهر الحرم فضلا أنه يميزها بتحريم الصيد فيها وبين “الشهر الحرام” المستخدم في الكبس. ويكفي الكاتب تميزا أنه من أبرز من وضع تقويما عربيا يعتمد كبسا مختلفا يقتبس من الأصالة شيئا ويعطي لشهورنا معنى. فضلا على إدراج “الشهر الحرام” متنقلا بأسماءه ما بين “رجب مضر” و “رجب ربيعة” و “الشهر الحرام” أو “الحج الأكبر”. ويبقى السؤال، ما مقدار دقته، وما مقدار توافقه مع ما كان متبعا؟ وهل بالفعل شهر رمضان يتحرك بين أقمار الخريف؟ وهل ليلة القدر دائما في رمضان أصلا؟! بل كيف يقتنع المجتمع بأن السنة قد تكون بثلاثة عشر شهرا!

آي “إنما النسيء” في المصحب العثماني في متحف تركيا

يتم استخدام كلمة “النسئ” بديلا عن “الكبس”، وقد يجعل القارئ في حيرة، فإن كان النسئُ منبوذا في كتاب الله، فلم نسميه شهرا نسيئا؟ كما تطرق الباحث إلى إعادة فهم الآية مرات ليثبت براءة النسيء! التقويم المقترح يعتمد “الدورة الميتونية”، وهي دورة الأفلاك المتكررة كل تسعة عشر سنة إذ يعود فيها القمر إلى منزله، منها تستطيع معرفة الأشهر الكابسة لتتوافق السنة القمرية مع المواسم أو السنة “المدارية”. وبالرغم من هذه الدقة إلا أن الدورة تنحرف عن المواسم بفارق يوم كل 76 سنة، مما جعلني أبحث عن طريقة لإصلاح هذا النزوح بإنشاء “التقويم السامي” مستندا على “التقويم الوسمي” أو كما يسميه الكاتب “التقويم الصحيح”. ووجدت ضالتي في بحث من جامعة تورونتو محاولة إصلاح الإنزياح في “التقويم العبري”، وأكتفي بالقول بأنه لا يوجد فرق يذكر في هذه الألفية إذ ما يزال التقويمان متقاربين بنسبة 90%، ولن يظهر الاختلاف الأولي إلا بعد 2000 سنة إذ يصبح رمضان حسب “التقويم الوسمي” في نوفمبر، وجذريا بعد 5000 إلى 6000 سنة. والفارق بينهما اعتماد الدورة 353 سنة المتضمنة دورات ميتونية وآخرها 10 سنين من أصل 19، لتبدأ الدورة من جديد! ويبدو أن الفرق بين “التقويم الوسمي” و “التقويم السامي” كالفرق في الدقة بين “التقويم الجولياني” و “التقويم الجريجوري” الذي نستخدمه اليوم لاحتساب التاريخ الميلادي.

يدعي الكاتب بأن التقويم “الشمس قمري” المعتمد على الدورة الميتونية هي الدورة الصحيحة المعتمدة في دين الله، بدليل أن رسول الله لم يغير التقويم “العربي” المتبع في حياته، ودلل على ذلك بمقارنة الأحداث التاريخية في ذاك العصر بين التوثيق بالتقويم “الجولياني” ومقارنته مع التقويم “العُمري”، مشيرا أن “التقويم العمري” المعتمد من قبل الدول الإسلامية اليوم لا تتوافق مع تاريخ الأحداث التاريخية، وأن “التقويم العربي”، أو “التقويم الصحيح” حسب تسميته، الذي اقترحه الكاتب أكثر انضباطا.

مقارنة بداية شهر رمضان بين التقويم السامي والتقويم الوسمي حيث يظهر ثبات السامي بين سبتمبر وأكتوبر وانزياح الوسمي

وبالرغم من اقتناعي بفكرة الكاتب بأن العبادات قمرية موسمية وليست قمرية محضة كما الحال في “التقويم العمري”، وقد دلل على ذلك أدلة كثيرة، إلا أني أتسائل إن كانت وصلت إلى درجة “البرهان” كما شرحها في كتابه. بل وأتساءل، بأن الله جعل الشمس والقمر والنجوم لنا مواقيت ولنحسب السنين، ولا أظن الله يحصرنا في تقويم واحد، بل نستخدم عدة تقاويم سواء كانت للعبادات أو المواسم أو حتى زيارات الكواكب الأخرى مستقبلا حسب “تقويم نجمي”. وأظن الله سبحانه بالقرآن أراد لنا الحساب والاستمرار بالاجتهاد وترك التقويم مفتوحا للإبداع كما بدأ ب “اقرأ”. وهي الفكرة التي بها أميل إلى تسمية تقويم الأستاذ وسام الدين إسحاق “بالتقويم الوسمي” عوضا عن تسميته بالتقويم “الصحيح”. ليس لأن تقويمه غير صحيح، بل لأن الله علم آدم الأسماء كلها، وحتى لا نضيع بين التقاويم ونميز بعضها وتسهل مقارنتها.

ومن ناحية، لم أعرف أو أفهم السبب في محاولة الكاتب لاحتساب “متوسط” طول الشهر القمري بدمج التقويم “الجولياني” مع التقويم “الجريجوري” مع احتساب فوارق الأيام والكبس. بل كان الأولى تحويل التواريخ جميعا إلى إحداها عند دراسة الأحداث وتكون مجرد تحويل بسيط بين هذه التقاويم. فقد قمت بتحويل التقويم الجولياني من قبل 1582 بنظام الجريجوري واحتساب الشهور القمرية. ربما ثمة أمر غاب عني وقد أحتاج لقراءة ما كتبه الأستاذ وسام إسحاق، من جديد. “التقويم السامي” التفاعلي سينشر التقويم من عام -105 قبل الهجرة إلى عام 9999 هجرية أو ربما بحد أعلى مع نشر ما يوافقه بالتقويم “العمري” و “الوسمي” و “الجولياني” و “الجريجوري”.

وما زلت أعود إلى الكتاب بين الحين والآخر لإعادة قراءة بعض الأفكار والحجج والبينات لعلي أصل إلى ما يغيب عني، سائلا الله للكاتب التوفيق والبركة وأن يُسخر للأستاذ “وسام الدين إسحاق” من يساعده في نشر الفكرة وتمحيصها وضبطها.

أترك بين أيديكم تقويم العام الأول من الهجرة بالتقويم السامي ومع ما يوافقه في التقاويم الأخرى. وللتقويم الكامل التفاعلي فسأنشره قريبا لكامل الأعوام من -105 حتى 99999 للهجرة حسب التقويم السامي. تمت كتابة المقال بتاريخ اليوم ربيع ثاني 18 1399 سامي هــ. وأتشرف بتعليقاتكم.

تقويم العام الأول من الهجرة حسب التقويم السامي مع ما يوافقه في التقويم الوسمي والعمري والجولياني والجريجوري

لشراء الكتاب من موقع EBay

موقع النسيء فيسبوك

نسخة من “التقويم الوسمي” لأعوام 2000 حتى 2100 ميلادية المنشور في كتاب “براءة النسيء”

12 thoughts on “بين الكبس والنسء براءة

  1. ما الحكمة من أشهر الحرم ؟
    كيف يصوم أهل القطب الشمالي والجنوبي؟
    هل ليلة القدر لها علاقة بأجمل يوم في السنة وهو 21 مارس و23 شتنبر ؟
    ما علاقة أسماء الشهور القمرية بالفصول؟
    ٧ل هناك أدلة اخري غير الحسبات والتقويم على شرعية النسيء؟ وثبات الشهور القمرية على الفصول الشمسية ؟ ارجو الإجابة
    أحتاجها لإقناع من له عقل ؟

  2. اتفق معك تماما فى كل الملاجظات التى اوردتها على كتاب براءة النسئ وكنت اعيد القراءة لاصل الى ما هو جديد ومجهودك رائع فى وضع تقويمك السامي والشكر موصول للاستاذ وسام فقد بادر بنشر فيديو عاجل ينوه فيه اليكم والى تقويمك والى اقتناعه بطرحكم الرائع وأود أن التأكيد على أن فكرة اعادة قراءة آية النسئ لا جدوى منها (رغم ما تثيره الفكرة من عواصف فكرية) فى إثبات حجته على ما يقصده بالنسئ فهو واضح وجلى ويكفيه دليلا إثبات أن النبي والصديق وجزء من خلاف الفاروق كان يعمل بشهر الكبس فى العبادات .. وهنا تكمن إشكالية جواز الاستدلال بالمراجع الأجنبية فى القضايا الشرعية فيما يخص بإثبات معركة اليرموك فى (رجب/اغسطس) ومدى حجية ذلك.والذي سيعد(لو تم اعتماده)دليلا فاصلا في المسألة .الشكر موصول لكما واتمنى ان يكلل مجهوكما بطرح مشترك فى السألة لتعم الفائدة .

    1. حياك الله
      بالنسبة لليرموك، أظن الكاتب يستخدمها كركيزة للتقويم لا لإثبات صحة التقويم، إذ أن كلا التقويم الأموي والتقويم الوسمي يسجل الحادثة في رجب، راجع الملف اكسل لبحث ذلك

      1. بوركت
        بما انك قد ذكر ت انه يرتكز الى اليرموك فى تقويمه أحببت ان استوضح منكم المرتكزات التى تنطلقون منها في التقويم السامي
        اما ما يخص اليرموك فكل التقاويم تثبتها فى رجب والاستاذ وسام يتخذ من كتاب David Nicolle Yarmuk AD 636 The Muslim conquest of Syria) مرجعا لاثبات وقوع معركة اليرموك رجب في اغسطس فى العام 15 من التقويم العمري .فهل ذلك يصلح دليلا شرعيا ؟هذا ما اتساءل عنه .

        1. في المرتكزات سواء سألت أو عن الأدلة راجع الكتاب نفسه براءة النسيء، أما التقويم السامي فهو تعديل طفيف لضبطه طيلة 3000 قرن ليس إلا.

          سأقوم بشرح بعض الأمور في قناتي باستخدام التقويم نفسه للمقارنة التاريخية، ولست مختصا، وإنما ناقل مستفيد.

  3. الاشكال اصلا على تسلسل الاشهر في التقويم .. التقويم المحمدي للسيد فرقد القزويني اثبت وأظهر بالدليل ..

  4. أنا أعرف اننا نصوم رمضان خطأ لعقود واننا تبعا نحدد خطأ ليلة القدر ويوم عرفة وليلة ١٥ شعبان وغيرها الكثير وحان الوقت لتصحيح المسار واتمنى أن تخرج هذه النقاشات من أوراق الكتب الى منتدايات أوسع كالأزهر الشريف ومنظمة التعاون الاسلامي وغيرها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *